العرب وإسرائيل وقارئة الفنجان

العرب وإسرائيل وقارئة الفنجان

 2006-10-01 00:06:33 UAE

العرب وإسرائيل وقارئة الفنجان

بقلم :أحمد إبراهيم

 

رمضان رغم أنه شهر المد والجزر، وشهر الرحمة وحلويات الجزر دون العصى، لكني خرجت اليوم بالعصى ودون الجزر إلى إحدى المدارس المتميزة بالموهوبين، لأترصد طريق انصراف «حصّة وراشد وماجد» إلى حافلاتهم.!

ترصّدتهم ليس لخطفهم وإنما لأطرح عليهم سؤالا، يحتاج عقولا متميزة قادرة على معالجة معادلات رياضية دقيقة بتفوق، وتتمتع بمواهب التخمين والتنجيم، لكنهم بخفة أقدامهم البراعمية نحو الحافلات سبقوا أقدامي، ولم احتفل بإصبعي الاّ بجزء من قميص «ماجد» وهو يجري في مهب الريح، فمسكت بتلابيبه بلطف، لأبعد عن نفسي تهمة الخطف أو الارهاب، وسألته بأدب وهدوء:

(متى ترتفع أسعار اللحوم يا ميّود..؟ )، أجابني (ماجد) ودون الالتفات للوراء وهو يواصل جريه نحو الحافله: (عمّي .. في رمضان ترتفع أسعار اللحوم في كل مكان)، وبما أن جوابه كان مختصرا وضمن معادلاته الرياضية البحتة، أردفه زميله (راشد) عن بعد وضمن معادلاته التخمينيه: (وترتفع اسعار الماشية والأضاحي كلما اقتربنا من فرحة العيد، وإلى الأغلى كلما اقتربنا من الأضحى، نعم .. هذا هو الحال في رمضان وفي كل مكان مع لحم الحيوان).

لكن (حصّة) التي كانت تبعد عنهما سمع صوتها من الحافلة، وضمن معادلاتها التنجيمية قائلة: (المعادلة هذه صحيحة يا عمّي مع لحم الحيوان في كل مكان .. ولكن .. في العراق يرخص لحم الإنسان في رمضان)، وأضافت حصة:

(وأيضا في رمضان ترتفع الرواتب والمنح والبدلات المقرونة بالعيديات في كل مكان، إلاّ في القدس وفلسطين وغزة والجولان، حيث الشعب الفلسطيني المظلوم هذا العام فطورهم بلحم بطونهم، وسحورهم بملح عيونهم!(، أعجبت بالمنجّمة (حصّة)، واقتربت منها بالجزر دون العصى، سائلا ثم ماذا يا حبيبتي يا قارئة الفنجان.؟

فقالت: نعم أرى وأقرأ في فنجاني الشعب العراقي المظلوم وقبله الشعب الفلسطيني المظلوم وبينهما الشعب اللبناني المظلوم، فقلت لها: لكنك يا قارئتي شخّصتي المظلومين وحدّدتي عددهم ثلاثة ولم تشخّصي الظالمين ولا أعدادهم .. أهم أيضا ثلاثة.؟ أم أن الظالم في العراق هو نفسه في لبنان وفلسطين وفي كل مكان ..!؟

كشفت لي القارئة عن فنجانها، وكان يظلّل فيه ثلاث زوايا بطاولات للمحاكمات، أما الزاوية الرابعة فكانت في الأكواخ بالأبواق: الطاولة الأولى بريطانية الصنع، تحاكم عليها بلير بيد حزب العمال على عنجهياته التبعية الحربائية، والثانية أميركية الصنع، تحاكم بوش على عنترياته التكساسية، والثالثة عبرية الصنع تحاكم أولمرت وجنرالاته على كشف دباباته الكرتونية خارج حدود إسرائيل.

وأما البوق الرابع فصوته يأتي من كوخ أفغانستان يقول: (سأهاجم الخليج هذه المرة!)ماذا يوجد في الخليج غير المساجد تتلى فيها آيات الله والمنابر ترفع عليها أذكار الله.؟ وساحات البناء والانتاج يذهب ريعها للفقراء والأغنياء على حد سواء؟، وما من تشييد حضاري جديد من الأبراج والجسور والشوارع في الخليج، الا وقبلها تعلوها المئذنة والمنارة؟

ومساجد المليون مئذنة الرمضانية في الخليج تعلوها الأذان والصلوات الخمس، ويدخلها الموحّدون من أمّة محمّد بالشهادتين، ويتراصّوا معا بتكبيرة الإحرام (الله أكبر)، ويركعوا ويسجدوا معا بوحدة الصف واضعين أعلى جزء من أجسادهم (الجبين) على أدنى الأرض (التراب) ليعبّروا عن الذلّ لكبرياء الله خاضعين خاشعين له وحده لا شريك له وينفضّوا سالمين مسالمين بالسلام على عباد الله الصالحين.

نعم، انهم يدخلون البيوت والمساجد من أبوابها مسالمين ويخرجون من ابوابها مودّعين، ولا يأتونها ظهورها ونوافذها وسراديبها ومن درامات قماماتها بالمتفجرات.

صحيح، الخليج يوجد فيها أغنياء.. لكنهم يملكون أموال الله فالمال مال الله، والأغنياء وكلاء الله، والفقراء أبناء الله، ونرى بأم أعيننا وفي كل حدب وصوب هؤلاء الوكلاء يحملون أموال الله على أبواب الفقراء بالفطرة والزكاة والمساعدات المالية والعينية، بدءا بحبيبات التمر وزبيب الإفطار ودون توقف على الملبس والمسكن الشعبي ووصولا للحلي والحلل بمراسم الزواج الجماعي، ليجمعوا الرؤوس بالحلال بدل أن يفجروها بالديناميت.

وليزيدوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي افتخر قائلا: (تناكحوا تناسلوا، فإني لأفتخر يوم المحشر ولو بالسقط الجنين من أمّتي)، بدل أن نقلّص الناطقين بالشهادتين من أهل القبلة بالهاونات والمدافع.

لاتوجد في الخليج مدافع تطلق على البيوت الآمنة والمساجد والأسواق، وبل مدافع الخليج ما هي إلاّ ولإيقاظ النائمين وإفطار الصائمين، تقام العشرات بل ومئات وآلاف موائد إفطار الصائم على حساب الأثرياء.

ومن الخليج تتشكل الجسور الجوية لموائد الإفطار الى الدول الفقيرة والغنية والقريبة والبعيدة، فبالأمس إلى بوسنة وهرسك، وقبلها إلى الصومال وسراييفو وأفغانستان، واليوم نرى على الشاشات سلسلة الموائد تفترش أمام الصائمين في لبنان الجميل.

في الخليج، تتنافس الجمعيات الخيرية وبيوت الخير على فعل الخير وتجنب الشر، على كل الجبهات، فكما بالأمس ذهبوا من الخليج شبابنا إلى سراييفو الإسلام، كذلك اليوم أشبالنا خرجوا يخاطرون بأرواحهم لنزع الألغام عن قلب بيروت العروبة، ماذا فعلت المقاومة في العراق؟ هل قتلت الصليبيين كما تدّعي، ام رفعت جثامين العراقيين على أعواد المشانق والصليب في العراق؟.

أتقاتل المحتل الأجنبي في العراق ويموت فيه عراقي بالخطأ..أم تقتل العراقيين عن قصد وقد يموت فيه محتل أجنبى بالخطأ أو لا يموت؟، نعم العكس صحيح..

فأين المحتل الأجنبي عن مساجد يدخلها علي وعمر الموّحدين القبلة بتكبيرة الإحرام، فتسبقهما السيارات المفخخة على أبواب تلك المساجد، وأين يوجد المحتلّ الأجنبي عن أسواق شعبية تدخلها فاطمة وعائشة لشراء الفطور من التمر والزبيب، فيسبقهما البارود إلى هناك ..!

 

الظلم إيّاك والظلم، فكما ان حبل الكذب (قصير)، ينتهي بالكذاب للمحكمة، كذلك سيف الظالم (ضرير)، لايميّز بين رقبة الجلاد والمظلوم، قد يتّجه نحو رقاب المظلومين حادّا لكنه يعود أحدّا يوم عودته لرقبة الظالمين. لو قلنا ان الموساد في العراق مشغول إلى اليوم بنجاح، فإنه ومن الغد سينشغل بلبنان أيضا بنجاح، إذا استمرت هذه الطبول الكلامية التي بدأت تتعالى على منصات بيروت.

وأرى فنجانها يكشف تلك الرسوم وتلك الوجوه التي ظلت مختبأة في الأكواخ والملاجئ طيلة فترة الجهاد والدفاع المقدس عن تراب الوطن، وارتمت في أحضان المقاهي والملاهي داخل وخارج حدود لبنان، والمتسكعون الذين ظلوا هاربين خارج الحدود بين البارات والدسكوات والكازينوهات.! وكل تلك الوجوه عادت وصعدت المنصّات في وقت واحد يمسحوا الشوارب واللحى البروفسرية بيمناهم، ويهلهلوا الميكروفون بيسراهم.

نعم انه (الموساد) الذي رجع بعينه، لا هو جنبلاط ولا هو جعجع، ولا هو الحمادة ولا هو الحريري، انما الموساد بعينه، بدأ اليوم ينشغل بلبنان كما هو مشغول بالعراق، وبدأ ينجح في بيروت كما هو ناجح في بغداد، يقال ان (الموساد) يتابع ويقرأ ويؤرشف كلما يكتب عنها وعن إسرائيل، ويضع الكتّاب والناشرين في المجهر.

. وبالمقابل عندما سئل يوما موشى ديان عن خطّة عسكرية إسرائيلية منشورة، طبقّها بحذافيرها في نكسة يونيه: (كيف اخترت خطة منشورة قبل عشر سنوات ونجحت على العرب بتطبيق نفس الخطة يا ديّان!؟)

فأجاب: (كنت أعرف أن العرب لايقرأون).

وقارئة الفنجان لم تحدّد العدد الى الآن أهو ظالم واحد ام اكثر من واحد.؟ لكنها طرحت على تلك الطاولات المنصوبة على القمم للمحاكمات مجموعة سؤالات :متى أرادت إسرائيل سلاما مع العرب.؟، ومتى أرادت إسرائيل استسلاما من العرب؟، متى أرادت أميركا مساواة إسرائيل بالعرب؟، ومتى أرادت أميركا لإسرائيل امتيازات على العرب؟

يوما أراد اليهود ان نتركهم يعيشوا بيننا بسلام صاغرين واليوم تريد إسرائيل من العرب الطواف والركوع والسجود لهم خاشعين خاضعين، فمن المذنب اليوم .. أأميركا المذنبة، أم إسرائيل المذنبة.. أم نحن العرب المذنبين.؟

فلسطين العرب مرت بها فرصة ذهبية لم تحدث من قبل، عندما استطعنا أن نحمّل العدو أكتافه نعوش جنوده وجنائز جنرالاته، بعد اربعين سنة من رفع إصبعي النصر :(vوvوv) ضاحكين .. طبعا ضاحكين على أنفسنا، ودون أن نخدش بضفرة جندي واحد من المعسكر العبري..!

ومع الأسف بدأنا نبدد الثروة التي كسبناها في 33 يوما من الحرب في اليوم الاول من الأسبوع الثاني بعد الحرب، عندما بدأت الاجتماعات تنعقد، والمسيرات تتواصل، والمنصات تنصب، والميكروفونات تتنافس على مزايدات اللوم ومناقصات العتاب من الداخل للداخل.. وهكذا تستفيد إسرائيل..وفعلا استفادت إسرائيل. وبدأنا نولّد أزمة مفتعلة ونترك أزمة موجودة، بدأنا نصرف الاموال على سحب سلاح كان موجها دائما للخارج، دون ذكر لسلاح الاحتلال الغاشم الذي كان موجها دائما للداخل..

هكذا تدور العرب في حلقة مهرجاناتها المفرغة، وتدور إسرائيل بالمقابل في حلقة موساداتها المملوءة.!؟ لكن الشعب العربي بدأ يتنبّه لعمليات النصب الدولي، عمليات سرقة بلد ثم إجراء مفاوضات مع السارق، عمليات احتلال ثم المفاوضات مع المحتل، عمليات القاتل الذي يطالب أهل القتيل بقيمة الرصاصة، او بتعويضه الخنجر الذي طعنها وتركها في ظهر القتيل فأين الكرة الآن؟ أفي الملعب الإسرائيلي؟ ام الملعب يدور حيث ما دارت الكرة ؟

وسؤالي مازال يبحث عن الجواب من قارئة الفنجان، من الظالم وكم عددهم.؟ ويكفينا فهم أميركا عندما احرقت الاخضر واليابس في أفغانستان واحتفظت بملاّ عمر، ثم اعلنت انها قضت على الزرقاوي عن بعد، وبتحكّم إبقائه من الفضاء حيّا لساعات معينة ودون تشويش ملامحه، ثم وتقول أخيرا هذه الايام عن عدّاد حرارتها (الترمومتر) أنها تقيس درجة حرارة بن لادن عن بعد، وتعرف انه مصاب بمرض لكموفيد، او التهاب الرئة وتستطيع أن تراه نائما او مستيفظا .. ولا تستطيع الوصول إليه ..!!

تعليقات 1

عبدالهادي - السعودية
عندما ننظر الى حياة أولئك الذين يفتقدون مثل هذا الإحساس والتوجه ، نراهم قلقين متعبين خائفين من المستقبل يتقلبون بين الترقب الحذر والخوف والحزن . إذا تأملوا في المصير وآخر العمر تجرعوا غصصاً لايرون منها مهرباً . فالذي لم يعش قلبه حالة الإيمان يصفه الذكر الحكيم بصاحب الفؤاد الفارغ كالهواء . ولانه كذلك ، فإن الحوادث المختلفة تعبث به كريشة في مهب الريح يكاد يختنق من ضيق صدره كأنما يصعد في السماء . فهو مثال التيه والضياع . فالشكر كل الشكر الى الكاتب الكبير أحمد إبراهيم على مابذل من خلال المقال الجميل الذي يندر من ناحية الإخراج والابداع والتميز والتشويق الذي لانراه في بعض الكّتّاب فجزاه الله كل الخير وحفظه من كل شر إنه سميع مجيب .
   0 0
أظهر المزيد