الفاتيكان والإمارات وحوار الحضارات

الفاتيكان والإمارات وحوار الحضارات

 

02:01 2007-06-20

 
 

الفاتيكان والإمارات وحوار الحضارات

أحمد إبراهيم

   

 

أضافت دولة الإمارات مرة أخرى، شمعة سلام لشموعها الودية المألوفة، في زمن بات السلام صعب المنال، والدعوة إليه سهلة ودعاتها كثّراً، وباتت الحروب سهلة الوقوع، والدعوة لإيقافها صعبة، ودعاتها قلّة. وكانت الإمارات، وكعادتها سباقة بالإعلان عن إسقاط جدار الحواجز بين الحضارات والأديان بالتسامح الديني والتحاور الفكري والتعايش السلمي بين الشعوب بمختلف معتقداتها وجنسياتها وحضاراتها ودياناتها.

 

هذا العناق الودي بين حكومة دولة الإمارات وحكومة الكرسي الرسولي (الفاتيكان) ما هو إلا لبنة إماراتية أخرى تذكرنا بفقيدنا الراحل أب الإمارات الشيخ زايد “رحمه الله”، الذي آثر الود والمحبة والوحدة على كل المصالح، فأسقطت الإمارات اليوم جدار الحاجز بين المساجد والكنائس لنحترم المعابد كلها على أنها مقدسات تستخدم لعبادة الله، وعلى أنها مقومات لمعايشة أبناء المسجد بعناق التسامح السلمي مع أبناء الكنيسة والمعابد الأخرى، وإن بقيت الساحات مفتوحة الأجواء فمرحباً بها ساحات لملعب ودي تتحاور فيه الحضارات والأديان والأفكار بالعقل والدليل والبرهان من دون تشنج وعصبيات وعنصريات، فلا حارس على أبواب المساجد يوم (الجمعة) لمن أحب أن يستمع للخطب المقتبسة من منبر الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا حاجز على أبواب الكنائس يوم (الأحد) لمن أراد الإبحار في أجوائها الروحية المقتبسة من المسيح عليه السلام.

 

ما أعلن في نيويورك يوم الثلاثاء 31 مايو/ أيار كان نعمة من نعم زمن التقارب بحوار الحضارات، ومن دون أن يؤدي إلى تشنج بقدر ما يؤدي إلى توافق في الآراء بالعقل والدليل والنصوص والاجتهاد، فمهما اختلفت الآراء والمعتقدات يبقى الإنسان أشرف المخلوقات متفوقاً على العنف والتعصب بعقله وفكره الداعيين إلى الوحدة والسلام والأمان.

 

وهكذا وقعت حكومتا الإمارات و”الفاتيكان”، في مقر البعثة الدائمة للدولة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، بياناً مشتركاً حول إقامة علاقات دبلوماسية رسمية على مستوى السفراء اعتباراً من يوم الأربعاء الموافق 30 مايو/ أيار، فوقع عن الإمارات السفير عبدالعزيز ناصر الشامسي المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة، ووقع عن الفاتيكان رئيس الأساقفة سلستينو ميغليوري المراقب الدائم للكرسي الرسولي لدى الأمم المتحدة.

 

وأشار البيان المشترك الذي تم إيداعه في الأمم المتحدة باللغتين العربية والإنجليزية إلى رغبة كل من الإمارات والفاتيكان في تعزيز أواصر الصداقة المشتركة والتعاون الدولي عبر إقامة علاقات دبلوماسية بينهما على مستوى السفراء بالنسبة لدولة الإمارات، وعلى مستوى البعثة الدبلوماسية البابوية للفاتيكان، وفقاً لقواعد اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية المؤرخة في 18 إبريل/ نيسان 1961.

 

وبحث السفير الشامسي عقب مراسم التوقيع مباشرة مع رئيس الاساقفة سلستينو ميغليوري، أوجه العلاقات المشتركة التي يمكن تطويرها بين الحكومتين، مشيراً إلى أن توقيع هذا البيان يشكل خطوة أساسية باتجاه تطوير هذه العلاقات ولا سيما في المجالات الثقافية والسياسية.

 

وفي غضون 48 ساعة من إضاءة هذه الشمعة الفذّة الفريدة إيذاناً بعرس عقائدي سلمي بين الشعوب والمحسودة من عالم اليوم المتعطش للسلام، صدرت في القدس المحتلة وبالتحديد يوم السبت 3 يونيو/ حزيران فتاوى حاخامات وتصريحات ساسة الاحتلال “الإسرائيلي”، تبرر لحكومة “إسرائيل” قتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ وهدم البيوت على أهلها. فقد دعا الحاخام اليهودي مردخاي إلياهو حكومة “إسرائيل” إلى شن حملة عسكرية على قطاع غزة واعتبر المس بالمواطنين الفلسطينيين أمراً شرعياً.

 

ورغم أن الإسلام يؤمن بكافة الكتب السماوية المقدسة، إلا أن فتاوى كهذه لا يمكن أن يكون مصدرها إلا من يحرف النصوص المقدسة ويصوغها بما يتناسب مع أهداف الاحتلال العنصري الصهيوني، فلا توراة ولا إنجيل ولا زبور كما أنزلها الله على مخلوقاته أمر كما يأمر به الصهاينة ضد شعبي فلسطين ولبنان، أو كما تمارسه أمريكا في العراق وأفغانستان.

 

ومن جانب آخر أصدرت منظمة العفو الدولية عشية الاثنين الماضي تقريراً في 50 صفحة بمناسبة مرور 40 عاماً على عدوان عام ،1967 أشار إلى أن الجدار العازل الذي تبنيه “إسرائيل” ليعزلها عن الأراضي الفلسطينية، أدى إلى سقوط قتلى، وتسبب في معاناة بين الفلسطينيين ولذا وجب هدمه. ورغم أن التقرير لم يأت بجديد سوى أنه حذر من أن مواصلة الجدار تهدد بمواصلة الصراع، حيث قالت كيت ألن مديرة منظمة العفو الدولية في بريطانيا “مخاوف “إسرائيل” الأمنية المشروعة ليست مبرراً للانتهاكات الصارخة للقانون الدولي أو لإساءة معاملة آلاف الفلسطينيين من خلال برنامج ضخم للعقاب الجماعي”، فادعت “إسرائيل” في ردها على تقرير المنظمة “بأن الجدار قد يزال في ظل اتفاق للسلام يتم التوصل إليه في المستقبل.

 

هل يعني ذلك أننا دخلنا عصراً جديداً للسلام بحوار الحضارات من خلال الجدار العنصري الذي تبنيه “إسرائيل” والذي تعلوه أسلاك شائكة ويمتد لمسافة 350 كيلومتراً ليغطي مسافة 720 كيلومتراً عند اكتماله؟ كما أكد التقرير أن الجدار أوجد أرضية لسخط الفلسطينيين ضد “إسرائيل”، كما أنه سيفرض عند الانتهاء منه طوقاً على 12 قرية و31400 فلسطيني في الضفة الغربية، حيث يعيش أكثر من نصف مليون فلسطيني على بعد كيلومتر واحد من الجدار، وأن: الاقتصاد الفلسطيني انهار بالفعل تحت وطأة القيود القاسية التي تفرضها “إسرائيل”، ولا يؤدي ذلك إلا إلى زيادة اليأس والفقر بين شباب فلسطين.

 

ويضيف التقرير أن منازل الفلسطينيين تهدم بالجرافات، بينما تتوافر للمستوطنات الحمايات، والتي اعتبرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة غير مشروعة، وقدم قوائم بمرضى أو مصابين توفوا نتيجة عبور 550 حاجزاً تفتيشياً أو حواجز متنقلة أو سقطوا برصاص قوات الأمن “الإسرائيلية” التي تحرس أبراج المراقبة في الجدار العازل. وأشار التقرير إلى أن الطريق الممتد بطول 100 كيلومتر من الخليل في جنوب الضفة الغربية إلى نابلس في شمالها يقطعه المستوطنون “الإسرائيليون” في أقل من ساعتين والفلسطينيون في ساعة 24.

 

رغم كل ذلك، فإن “إسرائيل” التي اعتقدت بأنها قادرة على دفن الشعب الفلسطيني وقضيته، فوجئت ومعها الولايات المتحدة بأن الشعب الفلسطيني ينتفض عملاقاً، ويحول الكفن إلى انتفاضة حجارة الأطفال، ويؤكد انتصار الدم على السيف.

ui@eim.ae 

تعليقات 0

لم يتم العثور على تعليقات