المنطقة بين "المغول" الأمريكي والتوغل التركي

المنطقة بين "المغول" الأمريكي والتوغل التركي

 

02:01 2007-10-10

 
 

المنطقة بين "المغول" الأمريكي والتوغل التركي

أحمد إبراهيم

   

 

المنطقة عصفت بها الرياح، وراشقتها الرماح، لنتلقى الجراح تلو الجراح، فنحن أبناء المنطقة منذ سيل المغول والتتار وقدرنا يحتم علينا إما أن نخرج في وجه العاصفة أو نجلس على البارود. والبرق والرعد فوق رؤوسنا يوماً، والحمم والبراكين تحت أقدامنا أياماً أخر، فما إن خرج بوتين من المنطقة قبل أيام على قدميه داعياً للسلام، حتى دخلها بوش داعياً لحرب عالمية ثالثة في المنطقة.

 

وبين هذا وذاك، برز الملف الكردي ليزيد المنطقة اشتعالاً، ويضعها في أتون حرب جديدة قد تؤدي إلى مزيد من التدخل الدولي في شؤون المنطقة، وبما يجدد المخاطر التي تهددها بالتقسيم والتفتيت. وعلى وقع طبول الحرب، أعلن في طهران قبول استقالة علي لاريجاني الممسك بالملف النووي الإيراني ليحل محله سعيد جليلي في خطوة اعتبرها بعض المراقبين أنها محاولة من الرئيس نجاد لضبط إيقاع المفاوضات النووية وفقاً لرؤيته، وذلك في حين ارتفعت وتيرة التهديدات الإيرانية باستخدام آلاف الصواريخ، إذا ما تعرضت المنشآت العسكرية والنووية الإيرانية لاعتداءات أمريكية   و”إسرائيلية”، ما يعني أن الصراع الأمريكي - الإيراني إذا ما فلت من عقاله سوف يضع منطقة الخليج بين السندان الإيراني والمطرقة الأمريكية، ويعرضها لمخاطر لا يعرف مداها إلا الله.

 

بوتين انتقد استمرار الاحتلال الامريكي للعراق، لأنه يستهدف السيطرة على الثروات النفطية في المنطقة، كما شدد على ضرورة الحوار مع ايران حول برنامجها النووي، وكان واضحاً في معرض رده على عشرات الاسئلة في برنامج تلفزيوني بث في موسكو، أن الوجود العسكري الأمريكي في العراق “لم يعد مجدياً”، وهذه هي المرة السادسة لبوتين التي يظهر فيها بهذا البرنامج الحي منذ توليه السلطة في البلاد عام ،2000 حيث بثته وسائل الإعلام الروسية الحكومية المرئية والمسموعة على الهواء، وأوضح بوتين أن العراق “بلد صغير يصعب عليه الدفاع عن نفسه، وهو يملك احتياطيات ضخمة من النفط، ونحن نرى الاحتلال يتعلم الرماية بوضع بنادقه على أكتاف العراقيين من دون تصويب الهدف من أعداء العراق والعراقيين”.

 

والتقى بوتين بزعماء دول حوض بحر قزوين في قمة خاصة عقدت في طهران ضمت روسيا وإيران وأذربيجان وكازاخستان وتركمانستان، ومن أبرز نتائج هذه الزيارة، التي تعتبر الأولى لزعيم روسي منذ عام ،1948 ما نقلته وكالات الاعلام الروسية عن بيان روسي - إيراني مشترك أنه “سيتم بناء محطة بوشهر وتشغيلها وفقاً للجدول الزمني المتفق عليه”، إضافة الى تأكيد بوتين استمرار دعم بلاده لبرنامج إيران النووي “السلمي”، كما وجه الرئيس الروسي خلال لقائه أحمدي نجاد دعوة للرئيس الإيراني لزيارة موسكو لإجراء محادثات هناك، واتفق الطرفان على تحديد موعد تلك الزيارة من خلال القنوات الدبلوماسية.

قبل دخول بوتين الأخير الى المنطقة وخروجه منها سبقته مكوكيات وأعقبته برمجيات، فهو كان قد التقى قبل الدخول بكل من الرئيس الأمريكي بوش والمستشارة الألمانية ميركل ووزير خارجية فرنسا كوشنير، كما عاد والتقى مباشرة بعد الخروج منها بايهود أولمرت رئيس الحكومة “الإسرائيلية”، الذي لاحقه الى موسكو من دون أي مرافقة صحافية، وقد جاءت قفزات أولمرت هذه  تجاه موسكو بعيد تصريحات الرئيس الروسي بأن روسيا لن تقبل أي عمل عسكري ضد إيران ينطلق من أراضي دول حوض بحر قزوين، ولو افترضنا أن كل تحركات تل أبيب في المنطقة أو بعضها كانت بإشارة مباشرة من واشنطن، فيا ترى ما هي الإشارة التي أرسلها البيت الأبيض الى أنقرة لتتخذ قراراً بالتوغل العسكري في شمال العراق؟

 

الذين قرأوا تاريخ العرب وحضاراتهم عرفوا جيداً أن المنطقة العربية لم تكن شقة مفروشة يتناوبها كل عابر سبيل أو طامع وطامح، إنها منطقة مستقلة بتراثها وتاريخها لم تكن مستعمرة لبوش أو بوتين أو من كان قبلهما، ولن تقبل المنطقة شروط وإملاءات ولن تقبل أي توغل في أي شبر من أراضيها العربية العراقية التي يجب أن تحكّمها سيادة الدستور وقوة القانون ويسودها الأمن والأمان. أرض العراق ليست مجرد المنطقة الخضراء إنها كل الأرض الممتدة من الجنوب حتى آخر شبر عند الحدود في الشمال مع تركيا، وفي الشرق مع إيران.

 

إن كل يوم تبقى فيه جيوش الاحتلال الأمريكي في المنطقة لن يزيدها إلا مقاومة وممانعة ورفضاً لكل شروط الهيمنة والسيطرة التي تريد أن تضعنا أمام الأمر الواقع المفبرك أمريكياً والمدبلج “إسرائيلياً” من خلال إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية التي تفتت دولنا وتدخلنا في صراعات لن يستفيد منها إلا الاحتلال وتقويه في المنطقة.

 

على أبناء المنطقة وحدهم أن يضعوا حداً لهذه المناورات اذا أجمعوا رأيهم على أن المنطقة لأبنائها فقط، وليست لفريق دون آخر أو لطائفة دون أخرى، أو لمذهب دون آخر، واذا أجمعوا على أن الجلاء المطلوب هو جلاء كامل وفوري لكل جيش محتل، وأن تعلن الدول العربية بالإجماع أن منطقة الشرق الأوسط هي منطقة عربية، لا وجود فيها لمحتل أو غاصب، وأن السلام فيها يقوم عندما تعاد الحقوق لأصحابها، وتتحرر من الاستغلال والهيمنة، وتعود فلسطين.

 

* كاتب إماراتي

ui@eim.ae

تعليقات 0

لم يتم العثور على تعليقات