بوتو تعود ومشرّف يقود ..

بوتو تعود ومشرّف يقود ..

 

02:02 2008-02-06     

 
 

بوتو تعود ومشرّف يقود ..

أحمد إبراهيم

   

 

“أنا وأمي” بمحلات “شيلة وعباية” للشراء والتملك من دون المنافسة.. طبعا “الشيلة” لي و”العباية” لأمي ولن أنافسها على عبايتها، إذ هي لم تنازعني على شيلتي. اما “أبي” فلن يقرب صوبنا مطلقاً إذا تركناه في حاله من دون ان نزاحمه على “كرفتّته الأفندية” أو بزّته العسكرية، فبالتالي هو الآخر ايضاً لن ينافسنا.

 

والشيلة ترجمتها “تشادور” وهي كلمة مشتركة مطاطية تعبر حدود القارة الآسيوية المتداخلة في بعضها، ففي اكثر من لغة تمتد ترجمة شيلة إلى “تشادور” حسب امتداد حدودها الجغرافية المتداخلة لتلك الدول المتقاربة مثل باكستان وأفغانستان وإيران، وغير المتقاربة والبعيدة مثل الهند وبنغلاديش وغيرهما، ومطاطية كلمة “التشادور” ليست بصلابة ما لدينا من “الغترة والعقال والشيلة” الرجالية والعباية النسائية، وما للطربوش على رؤوس البشاوات والبشوت على اكتاف الوجهاء، حيث لا يمكن انتزاعها بقوة، وان حصلت وتحصل بعض المساومات والتسويات في دنيا العرب، وذلك يتم من خلال تدخل حَكَم دولي بصافرات إنذار أو “بطاقات حمراء”.

 

وانعكست الآية نفسها في باكستان اليوم  حيث من المزمع ان يخلع برويز مشرف بزته العسكرية بعد ان تكون عادت امس الثلاثاء بنازير بوتو بتشادورها الابيض إلى بلادها، ذلك التشادور الذي سبق ان انتزعته بنازير بوتو من امها (نصرت بوتو الرئيسة السابقة لحزبها) لتصبح هي رئيسة حزبها الأبدية بالتشادور المكشوف ولتبقي على امها وللأبد في عباية المنفى، وتعود بوتو اليوم لتنازع أوسمة الجنرالات العسكريين وكرفتّات الرجال المدنيين بتشادورها ولتنافسهم على عروشهم وللمرة الثالثة.

 

وكانت بوتو قد أعلنت ان الرئيس برويز مشرف “ليست لديه مشكلة في عودتي إلى إسلام آباد، وانما قادة حزب الرابطة الاسلامية الحاكم يخشون على مستقبلهم السياسي من عودتي”، إذ نقلت صحيفة “ديلي تايمز” الباكستانية الاحد الماضي عن بوتو انها قررت العودة من دون انصياع لطلب مشرف بتأخير عودتها حتى يتم إعلان قرار المحكمة العليا حول الانتخابات الرئاسية التي أجريت أخيراً.

 

من ناحية اخرى، ذكرت صحيفة “خبرين” الباكستانية التي تصدر باللغة الاوردية ان الحكومة ابلغت رئيسة الوزراء السابقة بأنها مهددة بالتعرض لطلقات نارية وصواريخ مجهولة الاتجاه عند وصولها إلى البلاد، وذلك بناء على تقارير اعدتها اجهزة الاستخبارات الباكستانية وافادت انها تلقت معلومات سرية تؤكد ذلك، وكشفت الصحيفة ان الحكومة أطلعت بوتو على ان موكبها سيكون مهددا بالتفجير منذ تحط في المطار ولغاية وصولها إلى منزلها. ولم تستبعد الاستخبارات امكانية تعرض مطار كراتشي ايضا للتفجير حيث تهبط فيه طائرة بوتو، وتوقعت ان يتم استهداف بوتو ببندقية تلسكوبية حال قيادتها لأي اجتماع حزبي أو شعبي بعد عودتها إلى باكستان.

 

ومن جانب آخر قال تشودري شجاعت حسين رئيس حزب الرابطة الاسلامية الحاكم ان كل القضايا التي كانت قد اسقطت عن بنازير بوتو بعد اتفاق المصالحة، اعادتها المحكمة الاتحادية العليا من جديد، كما كان قد صرح رئيس الوزراء الباكستاني شوكت عزيز يوم الأحد، ان خبير التّجسّس السّابق الجنرال أشفاق كيياني من المقرّر أن يتولّى قيادة القوّات المسلّحة بحلول 15 نوفمبر/ تشرين الثاني، بشرط أن تقرّ المحكمة العليا مشروع مشرف الانتخابي الرّئاسيّ بالاستقالة من منصبه كقائد عام للقوات المسلحة وخوض الانتخابات المدنية، اما بوتو فعقبت على كل هذه التصريحات بتصريح مقتضب قالت فيه: “إن قادة الحزب الحاكم يخشون على مستقبلهم السياسي بعد عودتي”.

 

أما برويز مشرف، فهناك جدل واسع في الشارع الباكستاني حول جدوى عودته للساحة السياسية سواء باللباس العسكري أو المدني، والمتداول بصوت خجول وخافت بين مستشاري مشرف وبصوت جهوري خارق بين معارضيه، ان بنازير بوتو مزدوجة العرق فهي من أب سندي وأم ايرانية ولن تكون المنقذة الأولى لباكستان المتخمة بالقبلية والأحزاب والأقاليم، وما تم في الاجتماع السري الذي عقد مؤخراً بين برويز وبوتو كان بطلب امريكي، وامريكا غير القادرة إلا على “طبخة الحصى” في كل من افغانستان والعراق سوف لن تطبخ غيرها في باكستان، والدليل على ذلك انها تميل حيناً إلى بوتو وحينا آخر إلى مشرف وحيناً ثالثا إلى كليهما معاً.

 

باكستان المتناحرة عند حدودها الافغانية القبلية، وبصورة غير مباشرة في عواصم اقاليمها السندية والبنجابية وبالتحديد كراتشي واسلام آباد ولاهور، لن تتغير مع مشرف العسكري أو بوتو المدنية، حيث ان تلك القبائل كانت تميل دائما للصراعات حتى قبل الانقلاب العسكري لمشرف، باستخدام الانتحاريين وتوفير ملاجئ آمنة لأسامة بن لادن مع استمرارية النزف الدموي بين القبائل والجيش والقتل على الهوية والهجوم على المساجد.

 

الخبراء والمحللون الباكستانيون يتوقعون اياما عصيبة خلال الاسابيع الثلاثة المقبلة، وهم على شبه اتفاق تام بأنه من الافضل ان يبقى برويز مشرف ببزته العسكرية ويقدم اعتذاره للشعب الباكستاني ويعود إلى ثكنته على خط الدفاع مع الهند، ويترك الانتخابات حرة من دون تقييدها بامرأة تريد العودة للمرة الثالثة بسياسات امريكية مزدوجة بينما باكستان لا تنقصها الكوادر والكفاءات من الساسة المخضرمين الناضجين القدامى، والبارزين الجدد لقيادة بلاد واسعة يقدر عدد سكانها بمائة وثلاثين مليون نسمة.

 

ألا يكفيها قدوة ما نال جزأها المفصول (بنغلاديش/ باكستان الشرقية سابقا) انها منذ ثلاثة عقود تعاني من صراع امرأتين، احداهما تقود (داكا) خطوة إلى الأمام، فتعاديها الأخرى بخطوتين للوراء، والضحية هو الشعب البنغالي الذي من حقه ان يكرر السؤال نفسه: (هل اختفت الكفاءات من بلاد يصل عدد سكانها حوالي ال150 نسمة لتبقى داكا في مرمى امرأتين لا ثالث لهما منذ ثلاثين سنة؟).

  • كاتب إماراتي

ui@eim.ae

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات 0

لم يتم العثور على تعليقات