صفّارات عشقٍ لم ينته بزفاف

صفّارات عشقٍ لم ينته بزفاف

 2006-11-11 17:46:10 UAE

صفّارات عشقٍ لم ينته بزفاف

بقلم :أحمد إبراهيم

صفّاراتٌ أربعة من اتجاهات أربعة أُطلقت في وقت واحد، لكنها من أماكن مختلفة وبعنوان واحد، لكنها وأيضا بأساليب مختلفة: سواء بالفأس على الرأس، أو الرصاص في الصدر، أو الساطور في الرقبة، أو المتفجرات في الفضاء، أو الحبل في العنق، فكلها مسميات تعددت أسبابها والموت واحد.

صفارة أنقره: أسقطت هرم بولند أجاويد على الأرض بعد ان توقفت عدّادت أنفاسه المتكئة على 81 محطة من محطات حياته بدءا من اعتلائه عرش رئاسة الوزراء التركي ومرورا على احتكاره حقيبتها لخمسة عقود متتالية، وتوقفا على محطة الموت التي أتته وان لم تحاكمه محاكم الإسلاميين أو العلويين أو العلمانيين من الأتراك.

وصفارة بغداد: أعلنت قرار إعدام صدام مع اختلاف طرفي النزاع على الأدوات: بالحبل أو بالرصاص.؟

وصفارة تل أبيب، أخرجت شارون من غرفة العناية المركزة لأمسيات الشواطئ، يقول عنه تل أبيب انه يتعافى وفي نقاهة، ويقول شارون عن نفسه: أنا لا ينقصني إلا حذائي ألبسه لأتجه هذه المرة لبيت حانون كما اتجهت بالمرات السابقة لغزة وضفة وصبرا وشاتيلا، ولكن مرضه يقول عنه: (وخاب كل جبّار عنيد).

وصفارة القدس: أدخلت انتحارية بيت حانون التي انتقلت من البيت للغرفة، حيث أخرجها بيت حانون (الهادم) إلى غرفة الإنعاش (الدائم)، مشت لها بقدميها دون أن تأبه الموت أن يقع عليها أم تقع هي على الموت.. فما أصدق مقولة الأمس باليوم: تعددت الأسباب والموت واحد.

وصفارة خامسة من خارج أقاليمنا وحدودنا تقول إن الديمقراطيين سيطروا على مجلس النواب الأميركي بتفوق في الانتخابات. عساها صفارة ديمقراطية تسمح الشعوب الأخرى أن تعيش بسلام في أبدانهم وأوطانهم وأديانهم (آمين يارب الديمقراطيين).

نعود للصفارة الأولى (التركية) الأقل تناولا من الأقلام (العربية) لحد الآن، فقد أوقفت هذه الصفارة عدّاد الغيبوبة الدماغية لبولند أجاويد على ستة أشهر، لتعلن نبأ موته أخيرا عن عمر ناهز الحادية والثمانين.

ورغم أن الغريم المخضرم احتكر منصب رئاسة الوزراء خمس فترات متتابعة لعقود أوشكت هي الأخرى على الخمس، قبل ان يطرد من البلاط التركي عام 2002، ورغم غزوه لقبرص عام 1974، بزعم حماية الأقلية التركية في الجزيرة.

وتظاهره العشق والولاء للعلمانية الأوروبية مقابل استعراضه النفور والعداء للتراثية الإسلامية، طامعاً الترشّح لعضوية الاتحاد الأوروبي، والدفاع عن الدولة العلمانية التركية.. رغم كل ذلك فقد أطيح بأجاويد عام 2002 بعد ان رفض الاستقالة لأسباب صحية، واتهمته الأوساط كل الأوساط .

وعلى رأسها العلمانيون أنفسهم من عمومته وأبناء عمومته، بتحمله مسؤولية الأزمة الاقتصادية التي عصفت بتركيا، فمهما تهندم أجاويد ب«الكاب والكرفتّا» الأفندية، فان القدر يبدو لا يتوقف عن تعاطي عبره ودروسه، ليتعلم الأحياء من الأموات، وليعتبر أولو الأرباب وليُجيد المتغطرس الوقوف أمام المتواضع والمتهور أمام المتزن والمحافظ على دينه وتراثه وحضارته أمام الكاوبوي الفالتين: ان لعروج وتصعّدات الأفندي علامات، فلما علا مات.

مات أجاويد، فرحمه الله وجعله في عداد أموات المسلمين، خاصة وهو ينتمي لأعرق البقع الإسلامية تاريخا وتراثا وحضارة ومجدا بأغلبية شعبها المسلم ومساجدها ومتاحفها وعمرانها الإسلامي، لكن هل سيعود حمَلةُ نعش أجاويد اليوم منتعشين بعد دفنه ومطمئنين بأن نصيبهم من كعكة عضوية الاتحاد الأوروبي أصبح مضمونا قبل الموت، وان كان ذلك الضمان على حساب التنازل مما يضمن لهم الجنة بعد الموت أو الراحة عند الموت؟

تركيا منذ 42 سنة استبدلت جبّة الدراويش بالكاب والكرفتّا، حاملة كشكول الشحّاتين أمام القاضي والحكيم الأوروبي، فيضع الحكيم في الكشكول تارة وصفة: (امشي امشي روح وحلّق شعرك وتعال) فتذهب طائعة ومطيعة لتحلق الشعر وتحفف اللحية وتصفف الشوارب وتعود لبابا، فيقول بابا هذه المرة:

(لأ يا الأتراك، قصّ الشعر مش بهذه الطريقة، إنها قصّه شرقية متخلفة أو قصة إسلامية مرهبة، عليك يا عشيقتي بآخر الموديلات من القصّة الأوروبية المائعة) فتعود المسكينة لحلاق آخر، ويعود بسشوار وبريحة الكحول والكولونيا مطأطأة الرأس طائعة مستسلمة، لكن بابا ينهر في وجهها هذه المرة:

(لأ يا التركي، بنطلونك مش آخر موديل، انه فضفاض يبدو وكأنه كيس من أكياس مزارعي شمال تركيا، عليك ببنطال جينز ضيق أنيق سلس ولاصق (slim fit) فتذهب وتعود هذه المرة مستوفية كل شروط البنطلون، لتتفاجأ مرة أخرى انتقادات على السترة، هل تلبس السترة العادية في موسم الأمطار أو السترة الأوروبية الطويلة الفضفاضة، المتعارف عليها في أوروبا ب(أوركوت Overcoat-..؟).

تركيا انت عظيمة وأنجبتي العظماء، لماذا تصعدين خشبة المسرح الأوروبي بملابس «الجوكر» وانت كنتي وما زلت تملكين من الطاقات ما يعطي صوتك قوة: «كش يا ملك» بدل أن يرفع في وجهك صوت تعال يا جوكر وروح يا جوكر!!

وهذا ما حصل مع بيونغ يانغ التي سُئلت هل عندك ماء؟ أجابت بنعم، ثم سَئلت هل عندك كهرباء فأجابت بنعمين بدل نعم واحدة، ورأيناكِ وآخر ما رأيناكِ قبل عام، ذاهبة لأوروبا بكامل أناقتك التركية وبالعطر الأوروبي والتسريحة الفرنسية، والبنطلون الانجليزي، والجاكيت الإيطالي، والأوركوت الألماني والكرفتّا السويسري، ولم يجدوا في هندامك ثغرا يقود إلى حق النقض «الفيتو« مما كان مقررا عليك أكاديميا من مادة التجميل والكاسماتكس، ورغم ذلك أخرجوكِ من الحفل بعد ان أضافوا عليك هذه المرة مادة الجغرافيا:

فمن جانب صرّخت المجموعة الأوروبية في وجهك (عليك الاعتراف بقبرص يا تركيا) ومن جانب آخر رشقت باريس بحجارة العتاب: (أنت منتهكة لحقوق الإنسان الأرميني المقيم عندك في تركيا يا تركيا)!

يا ترى لو كان ذهب رجب أردوغان ملتحياَ لابساَ جبّة وعمامة أزهرية، لطُلب منه ان يخلع جبته أمام الملأ أولا، ويعود لمقص الحلاق ثانيا، لكنه كان قد ذهب حليق الصفر لكامل الوجه لا لحية ولا شوارب، متفوقا بذلك على بصيلات شوارب اسبقه بولند أجاويد، وأيضاً كان قد ذهب أنيقا وبآخر بدلة وتسريحة أوروبية، لكنه لم يحظ من الحفل الأوروبي إلا حدود المساحات المتاحة للبوّابين على الأبواب.

وبما انه كان حليق اللحية والشوارب، فأضافت أوروبا عليه شرطا أخرا إذ عليه أن يعود هذه المرة بدل الحلاق إلى مشرطة الجراح ليقص جزءا من أنفه وأذنيه، طالما لحيته وشواربه على الصفر وتسريحة شعر رأسه على آخر موضة!

يبدو أن هناك سرّا دفينا لا يقل لغزه عن ابتسامة «موناليزا» في هذا التعنت الأوروبي أمام هذا التملق التركي، لا تكتشفه العيون الساحرة بسهولة، لعل أوروبا أدركت انه من الصعب تقليص الشعوب وتجريدها عاداتها وتقاليدها وجذورها وأصولها في ليلة وضحاها، فمهما عمل المكياج والتجميل بالمرء، فإن المظاهر قد تبقى في حدود المظهر ولا يمس الجوهر قدر ما تجمّل المرء بالتغيير وتنكّر بالتمثيل.

وآخر ما شرع البرلمان التركي من أجل التطبيع هو السماح ب«الزنا».!! وبهذه الورقة الرابحة قد تصعد تركيا المرة المقبلة الحلبة الأوروبية والتي قد تسمح لغريمتها أن ترقص داخل الترويكا الأوروبية بدل الوقوف خارجها مع البواب، على ألا يلوح في الأفق العصي الغليظة للعم سام، وهو يشارط من البيت الأبيض على أنقرة الاعتراف بإسرائيل قبل السماح لها بدخول ناديهم!

ألم تستوعبي حبيبتي يا تركيا، إنها غزل من نسيج الأفرنج، انها مسرحية يهودية أميركية مدبلجة ومقصودة، تُنصب خشبتها في المحافل الأوروبية، لتصعدي أنت عليها يا تركيا «الجوكر» ولتضحك عليكِ أوروبا وأنت لابسة ثم تضحك عليك وأنت عريانة، وبين العري واللبس قد يُدفن هذه المرة رجب أردوغان رئيس الوزراء الحالي، كما دُفن بولند اجاويد رئيس الوزراء السابق دون أن تنالي على المسرح الأوروبي نصيبك من رقصة الفوز بلقب سيدة الموديلات القرن الواحد والعشرين.

وما علينا نحن المسلمين إلا أن ندعو لكِ كمسلمة غادرتنا ونخشى عليها مضاعفات الهجرة ومشقات الاغتراب، وقد تعود لنا يوما كما يعود الغراب الذي سار يقلّد مشية الصقور، فلم يتقنها وعاد فاقدا مشية الصقور وناسيا مشية الغربان..

تعليقات 1

عبدالهادي - السعودية
طيب المقال
الرائعون وحدهم هم القادرون على إحداث الدهشة في زمن الرتابة والملل ( وأنتم أهل للروعة ) فلا تلومونا إذا حجزنا لكم مقعدا بقلوبنا فقد يطيب لكم المقام كما طابت لنا محبتكم بهذا المقال .
   0 0
أظهر المزيد