عام 2008 القاطرة الاقتصادية تتحرك ...

عام 2008 القاطرة الاقتصادية تتحرك ...

 

02:01 2007-10-17

 
 

عام 2008 القاطرة الاقتصادية تتحرك ...

أحمد إبراهيم

   

 

مهما تنفّر (الإنسان) من بني جلده (الإنسان)، او تنمّر قابيل (الإنسان) في وجه أخيل هابيل (الإنسان)، تبقى الحياة بتعرجاتها وتموجاتها تضعهما عن قصد أو من دون قصد وجها لوجه على المنعطفات والتعرجات، ليتجها معا نحو محطات مشتركة عبر بوابة مشتركة. ولا شك أن التاريخ أثبت أن باب الاقتصاد هو الأوسع والأشمل لتحول الاعداء إلى حلفاء وأصدقاء كما هو حال الدول الأوروبية التي جمعها الاتحاد الأوروبي.

 

والمنجمون عادة في مثل هذا الوقت من كل عام، وفي صباح اول يوم عمل للعام الجديد قد يشعرون في داخلهم بأن دنيا كاملة من النيام سوف تستيقظ لتصفق لتنبؤاتهم التي تحققت وإن لم تتحقق على أساس “كذب المنجمون ولو صدقوا”.

 

لا اعتقد أن المنجمين كانوا قد تنبأوا لعالم اجتماع فرنسي في الستينات كان قد تجرأ على استخدام مصطلح “العالم الثالث” وأطلقه على أكثر من نصف الدنيا على أنها الدنيا (الثالثة) مستهدفا الإهانة لعالم كان يعتقد هو انه لن يرتقي إلى العالمين الأول والثاني ضمن تنبؤاته، وكان سكان العالم الثالث يومذاك يعيشون حالة افلاطونية من الأحلام والآمال كما هي حال العرب، لكن لم يخطر على بال افلاطونيي الستينات من أبناء المنطقة أن الاقتصاد سوف يكون القاطرة التي ستجر العالم نحو آفاق جديدة من التوحد والتلاقي وهدم الحدود والحواجز.

 

وبعيداً عن تنبؤات المنجمين، فاليوم هو يوم جديد على المنطقة، إذ سيتم التطبيق الفعلي للإعلان التاريخي في قمة الدوحة الخليجية السنوية (4/12/2007) عن قيام السوق الخليجية المشتركة، وبذلك نكون قد دخلنا اليوم منعطفاً شديد الأهمية، لا يتوقف عند مجرد السوق الخليجية المشتركة، بل يتعداها مستقبلاً إلى وحدة المناخات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية معاً، بعد توحيد القوانين والأنظمة والتشريعات.

 

والأهم من هذا كله هو وحدة العملة الخليجية، التي نحلم بتحقيقها في عام 2010.

فالمدخل إلى كل هذا لم يكن تنبؤات المنجمين وانما بفعل أبناء المنطقة الغيارى على وجودهم ومستقبلهم الذي لن يكون في أمان إلا بوحدتهم التي تحميهم من العواصف الاقليمية والدولية التي تهب في كل الاتجاهات.

 

لقد اعتمدت السوق الخليجية المشتركة على المبدأ الذي نصت عليه المادة الثالثة من الاتفاقية الاقتصادية، بأن “يُعامل مواطنو دول المجلس الطبيعيون والاعتباريون في أي دولة من الدول الأعضاء نفس معاملة مواطنيها من دون تفريق أو تمييز في كافة المجالات الاقتصادية، وعلى وجه الخصوص في مزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية، ممارسة المهن والحرف، تداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات، العمل في القطاعات الحكومية والأهلية، التأمين الاجتماعي والتقاعد، تملك العقار، تنقل رؤوس الأموال، المعاملة الضريبية، والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية، والتنقل والإقامة” وغيرها الى ما لانهاية ان شاء الله.

 

وهذا يعني استخدام المزيد من المال والعقل في المنطقة بجعلهما (المال والعقل) معاً القوة الحقيقية الحاضرة في المنطقة، حيث استطاعت الأمم في التاريخ البشري القديم والحديث، أن تحقق النهضة والتقدم الحضاري معا من خلال عاملين أساسيين هما: توفر المال مع توفر المستوى العالي للعقل البشري،  فلا المال وحده يكفل تحقيق ذلك، ولا العقل البشري وحده يكفل ذلك، إذ لا بد من المزاوجة بين الاثنين، فطوبى لروح أمير الشعراء أحمد شوقي على قولته:

 

بالعلم والمال يبني الناس مُلكهمُ..     لم يُبنَ مُلكٌ على جهلٍ وإقلال

 

ومن التاريخ الحديث وجدنا المثال الأمريكي والأنموذج البريطاني دليلا قاطعا على ذلك، فأمريكا لم تعتمد على تنبؤات المنجمين لما لديها من ثروة هائلة قبل بدء الهجرة الأوروبية إليها، وقبل نزوح العقول الأوروبية إلى أمريكا في القرن السابع عشر، ورغم هذه الثروة الهائلة التي لا تزال باقية حتى الآن، إلا أن أمريكا لم تحقق العظمة والقوة والسلطة التي تملكها الآن إلا عندما توفر لديها عاملا العلم والعقل معا، وإن كان الرئيس جورج بوش يبدو وكأنه افتقد عقله في القرن الحادي والعشرين وزج بلاده في متاهات صعبة قد لا يكون الخروج منها سهلاً.

 

وأيضا بريطانيا، لم تحقق إمبراطوريتها التي كانت لا تغيب عنها الشمس إلا عندما خرجت إلى الهند والعالم العربي وإفريقيا باستعمارها ونهبت ثروات الأمم ونبشت عقولها حتى في قبورها، فقد كان لديها العقل البريطاني المتسلط المتمثل في ذلك الوقت بالملكة اليزابيث(1533-1603) التي كانت توصف بأعقل امرأة في التاريخ، والتي كانت تعدم كل من يتنبأ بأدوات السحر والشعوذة بموجب قانون سنَّته عام 1562 وأعدمت بموجبه 81 ساحرة وساحراً. وجامعتا اكسفورد وكامبردج انشئتا لتوليد العقول البريطانية الى جوار النقود البريطانية، على اعتبار ان ظهور شكسبير 1564-،1616 ومسرحياته لن تطعم ولن تطلي الجنيه الإسترليني بطلاء ذهبي الا إذا تأهلت بريطانيا كقوة عظمى من خلال احتكار الثروات والعقول معا.

 

وساعة الصفر للدوام الرسمي منذ صباح اليوم تعني إنطلاق قاعدة اقتصادية ضخمة تقدر بنحو 700 مليار دولار تحت مظلة السوق الخليجية المشتركة وخلق شراكات استراتيجية دولية ليس لمصلحة ابناء المنطقة وحسب، وانما لمصلحة الجميع وفي مثل هذا اليوم التاريخي هناك إخوة لنا من الحجاج الفلسطينيين عسى يصلهم شيء من الماء والطعام لعلنا نسفه المنجمين الذين تنبأوا بأن سفينتهم سبتقى محاصرة بين الماء واليابسة إلى العام المقبل .. وكل عام وأنتم بخير.

 

* كاتب إماراتي

ui@eim.ae

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات 0

لم يتم العثور على تعليقات