غزة.. المصباح والمفتاح ...

غزة.. المصباح والمفتاح ...

 

02:02 2008-01-23

 
 

غزة.. المصباح والمفتاح ...

أحمد إبراهيم

   

 

على أصوات أبواق سيارات مصرية دخلت غزة عبر معبر رفح لأول مرة منذ أربعين سنة، شعر المصريون والفلسطينيون على الجانبين أنهما عادا إلى التوحد ثانية، بعد أن انهار الحاجز الذي كان يفصل بينهما، لكن ظل السؤال: “على المعبر من يملك المفتاح.. وفي غزة من يملك المصباح؟”.

 

من المفترض أن يكون اليوم (الأربعاء) قد وصل الوفد الفلسطيني إلى القاهرة، كما كانت أعلنت حركة حماس على لسان الناطق باسمها سامي أبو زهري أن وفداً من قيادتها في الداخل والخارج ومن الحكومة الفلسطينية سيصل القاهرة لبحث الترتيبات المتعلقة بقضية المعابر، وأن هذه الزيارة للقاهرة تأتي بدعوة مصرية وجهت إليها بعد اتصال بين الحركة والقيادة المصرية، كما عاد وأكد فوزي برهوم أن اللقاء سيكون ثنائياً بين وفد حركة “حماس” من جهة وبين الجانب المصري من جهة أخرى، وفي ما يتعلق باحتمال أن يكون اللقاء تمهيداً لعقد لقاء ثلاثي يحضره رئيس السلطة محمود عباس، قال برهوم: “نحن في حركة حماس ليس لدينا أي مانع في الجلوس مع رئيس السلطة ومع الإخوة في حركة فتح”، مضيفاً: “ان حماس تدعو لذلك من أجل تقريب وجهات النظر الفلسطينية وبالتالي العمل على إنهاء حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية”، كما عبّر برهوم عن تقدير حركة “حماس” للموقف المصري.

 

لا شك أن الوفد الفلسطيني كما وصل إلى القاهرة بسلام، كذلك سيعود إلى غزة بسلام قبل أن يحل الظلام، لأنه يعرف من يحمل مفتاح بوابة القاهرة ومصابيحها، لكنه يعرف أيضاً أن من يتنقّل بين مصر وغزة من خلال معبر رفح، قد يعود وقد لايعود، لأنه يعرف من يملك مفتاح رفح ومن يحمل مصباح غزة، فإن أراد العودة قبل أن يحل الظلام احتاج إلى مفتاح، وإن أراد البقاء فيها احتاج إلى المصباح (الكهربائي)، وكلاهما بيد “إسرائيل” وأمريكا.

 

أما على بوابة رفح فالأسعار باتت مضاعفة بالنسبة للجبنة والرغيف، والغاز والطحين وذلك يذكرني بأطباء الصين أيام ماوتسي تونغ، حيث كان الطبيب الصيني يناط به فور تخرجه كطبيب مرخص، أن يخرج حاملاً أدواته فوق رأسه إلى المزارع ليبحث عن الفلاحين والفلاحات ممن هم بحاجة للعلاج والدواء، فيعالجهم مجاناً ليواصلوا إنتاجهم في المزارع، ولا يتقاضى هذا الطبيب المعالج أكثر من مؤونته العادية كمواطن عادي في الصين الشعبية.

 

أعتقد أن قضية المعبر المصري الفلسطيني سوف تتحول إلى قضية من نوع آخر هي إشغال مصر بها، في حين ينشغل الكيان الصهيوني بتوسيع المستوطنات في الداخل، فمنذ أنابولس الذي جاء مخططاً ومتزامناً وممهداً لزيارة جورج بوش الأخيرة إلى المنطقة، أعلنت “إسرائيل” عن بناء مستوطنات جديدة وآلاف الوحدات السكنية داخل الضفة الغربية والقدس المحتلة. وقلة قليلة انتبهت لمغزى مثل هذا الإعلان، وإلى أين تمتد الجذور التخريبية للمستوطنات في الأراضي الفلسطينية، التي لم يشرد منها الإنسان فقط وإنما الحيوانات والأشباح أيضاً، فماذا وراء هذا الإعلان الذي مرّ سريعاً في نشرات الأخبار، وجاءت بعدها قصة جديدة عنوانها معبر رفح، لست أدري هل يقع معبر رفح في السهول أم الجبال، لأن “إسرائيل” لا تحب الجبال فتخطط لإحلال كل ما هو جبلي طبيعي إلى سهل مسور بالجدران أو الخنادق أو المعابر.

 

فالجبال العربية عقدة لدى “الإسرائيليين”، فإنهم يخشون لبنان لأنه يملك جبالاً ويخشون سوريا لأن الجولان هو مرتفعات جبلية، ويخشون غزة لأنها تقع بين جبال من الصمود والمقاومة. ففي بداية عام ،2006 أقدمت سلطات الاحتلال على إحراق الجزء الأكبر من  غابة جبل أبو غنيم، بهدف بناء أكبر تجمع استيطاني يتضمن مجمعاً ترفيهياً من برك سباحة وفنادق تجذب السياح. وبقيت “إسرائيل” تعمل على تطوير الحي الاستيطاني، بعد ان انشغلت الاجندة الفلسطينية بالداخل، حتى عادت “إسرائيل” مباشرة بعد مؤتمر أنابولس لتعلن عن بناء 303 وحدات سكنية لتوسيع الحي الاستيطاني على الجبل، وتوسعت السيطرة “الإسرائيلية” فوصلت إلى جبل الديك، أما الوحدات الاستيطانية الجديدة، فإن الجرافات “الإسرائيلية”، أوصلتها بجبل مجاور لجبل أبو غنيم حين أعلنت أنها قررت بناء 1000 وحدة استيطانية في جبل أبو غنيم على أراض مصادرة من فلسطينيين، وهكذا تختفي الجبال في فلسطين يوما بعد يوم ليولد في نهاية المطاف الجدار العنصري الفاصل الذي يلتهم هو الآخر أراضي جبلية جديدة من الضفة الغربية.

 

نأمل من الوفد الفلسطيني الذي يزور مصر أن يدحض كل ما أثارته بعض الصحف العربية من إمكانية أن يؤدي تدفق مئات آلاف الفلسطينيين من غزة الى شبه جزيرة سيناء الى خلق واقع جغرافي جديد، يزعم أن هذا التدفق قد يؤدي عملياً الى توطين الفلسطينيين في سيناء وغير ذلك، فتكسب “إسرائيل” هدف تذويب القضية الفلسطينية وصرف الأنظار عن الحقوق الأساسية للفلسطينيين، لأن الوضع الموجود الآن على الحدود بين مصر وغزة مؤقت، ولا يمكن الاهتمام به كقضية رئيسية تفرض نفسها واقعاً جديداً على الجانبين المصري والفلسطيني، وذلك من خلال الاتفاق على آلية لضبط المعابر بشكل يؤكد سيادة مصر على حدودها، والرد على كل المحاولات “الإسرائيلية” والأمريكية لتشويه رمزية ما أقدمت عليه مصر من إجراءات على الحدود.

 

الواقع المؤلم الذي يجب التنبه له، هو معالجة الغدة السرطانية الصهيونية التي يجب أن نعرضها على اخصائيي الغدد في القمتين العربية والإسلامية المتوقعتين، كي لا تعيش الشعوب العربية يوماً، كما الشعب الفلسطيني، تحت رحمة هستيرية القرارات “الإسرائيلية” بقطع شرايين الحياة وإمداداتها من الماء والدواء والغذاء والكهرباء بالكبس على الأزرار من تل أبيب سواء بأصابع أولمرت أو من سيأتي بعده أو بإشارة من واشنطن.

 

* كاتب إماراتي

ui@eim.ae

تعليقات 0

لم يتم العثور على تعليقات