كلام عن "الثلاثاء العظيم" ...

كلام عن "الثلاثاء العظيم" ...

 

02:02 2008-01-30

 
 

كلام عن "الثلاثاء العظيم" ...

أحمد إبراهيم

   

 

اعتدنا على مفردة كلمة “العظيم” وكأنها وباء إقليمي لصيق لا يجوز نقله خارج أشرعتنا وأرضنا وأنهارنا في هذا الشرق تماماً كالحمى الشوكية والكوليرا والملاريا اللصيقة بإفريقيا. إذ اعتدنا  على كلمة “العظيم” منذ أن وُلدنا، ونراها وهي تنتقل إقليمياً بين الدول الآسيوية، فتارة تنسب الى جدار صيني ونهر عربي أو يلقب بها رئيس تارة أخرى.

 

فبعد سور الصين العظيم هناك “النيل العظيم”، أو الصفة التي أطلقت على الرئيس العراقي السابق صدام حسين على أنه رمز العراق العظيم، أو ما أنجزته ليبيا منذ سنوات من جر للمياه من الصحراء الى الساحل وسمي هذا الإنجاز “النهر الصناعي العظيم”.

 

العظمة لله جلت عظمته الدائمة، والكبرياء رداءه الباقي، ورغم ذلك بدا لابن آدم الفاني، الذي أوله نطفة وآخره جيفة، أنه العظيم، فبدأ يزاحم الله في أسمائه وألقابه، ويأتي في رأس تلك القائمة جنون العظمة الذي ما زال بين كفتي ميزان جنون البقر وجنون هتلر، غارقاً في جنون عظمته الى أن تأتيه تلك الشهقة التي تملأ فمه التراب، لتحول فرعون العظيم الى فرعون الدمية فيؤمن محنطاً بالقائل: “يا بن آدم بمَ الكبرياء ولِمَ العظمة؟ أولك نطفة وآخرك جيفة، وعرشك نعشك، وقمتك تراب لجدك”.

 

كلمة (العظيم” يبدو أنها هاجرت أقاليمنا أخيراً، فاستخدمتها أمريكا لقباً ليوم “الثلاثاء العظيم” أو “الثلاثاء الكبير والعملاق”، أو “الثلاثاء المصيري”، وهي أسماء أطلقتها الصحف الأمريكية على الانتخابات التمهيدية للحزبين الجمهوري والديمقراطي لاختيار المرشحين للبيت الأبيض والتي جرت دفعة واحدة في 24 ولاية يوم أمس (الثلاثاء) في الخامس من فبراير/ شباط 2008. وكان أول من أطلق على تاريخ 5 فبراير “الثلاثاء العظيم” شبكة CNN في إشارة الى العدد الكبير من الولايات التي ستعقد مؤتمراتها في اليوم نفسه.

 

وفي انتخابات عام 2004 كان هناك أيضاً “الثلاثاء العظيم” في يوم 2 مارس، ثم أجرت سبع ولايات مجتمعة انتخاباتها التمهيدية يوم 3 فبراير 2004 فتغير وقتها اللقب الى “الثلاثاء الصغير”. لكن في بداية فبراير 2007 حددت ثماني ولايات يوم 5 فبراير 2008 موعداً لعقد مؤتمراتها الانتخابية، وهي ألاباما وأركنساس ونيو مكسيكو وميسوري وداكوتا الشمالية وداكوتا الجنوبية وفيرجينيا الغربية وأوكلاهوما ويوتا، لكن عدداً من الولايات غيرت جداولها الانتخابية لتتوافق مع الولايات السابقة في 5 فبراير، وذلك سعياً للمزيد من المرشحين، والولايات وهي أريزونا وألاسكا وكولورادو وجورجيا وكونيتيكت وكاليفورنيا ونيويورك ومساشوستس وكانساس وأيداهو وإلينوي ومينيسوتا ومونتانا ونيوجيرسي وتينيسي.

وبما أن الثلاثاء هذا يتم الإعلان فيه رسمياً عن اسم المرشح، فإن الشعب الأمريكي الواعي لا يزال يعتقد أن نصف العظمة في الديمقراطيين ونصفها الآخر في الجمهوريين، وكل العظمة في جمعهما على محطة واحدة، لذا فالأمر يستحق لقب “الثلاثاء العظيم”.

 

لكن ماذا لو كان هذا الشعب يترقب يوماً آخر “أعظم” من ثلاثاء 5 فبراير؟

 

لا نريد من الشعب الأمريكي الذي يرنو الى القمة دائماً أن يرى نفسه نحو الحضيض والهاوية كقطيع الأغنام الذي يقفز آخر من في القطيع بجنون الجهل بعد أن قفز من سبقه بجنون البقر. فشعار هيلاري كلينتون يثير الضحك وخصوصاً عندما قالت “كما أن ما أفسده بوش الأب أصلحه كلينتون الزوج، كذلك ما أفسده بوش الابن ستصلحه كلينتون الزوجة”.

 

ليس من المعقول أن يقاد الشعب الأمريكي كله وراء امرأة لا لشيء إلا لأنها تحمل اسم “كلينتون” باعتبارها زوجة رئيس سابق اسمه بيل كلينتون. يا ترى ما هي الخبرات التي تملكها المرأة كزوجة، وهل تفوق خبراتها خبرات كل النساء اللاتي كن على علاقة مع بيل كلينتون وعلى رأسهن مونيكا لوينسكي، فقد كان غريباً أن تعلن هيلاري حربها على أوباما الذي سرعان ما استعان بزوجته ميشال، وهي متحدثة لبقة تعمل محامية للرد على منافسة زوجها لاجتذاب أصوات النساء. وكان من أبرز نتائج هذا التوجه أن أعلنت كارولين كينيدي ابنة الرئيس الأسبق جون كينيدي دعمها لأوباما، وكذلك فعلت حفيدة الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت ايزنهاور.

 

همسة في أذن الشعب الأمريكي الصديق لا تستهينوا بالسود، فإن أعطي، الفرصة فإن بمقدورهم المساهمة الإيجابية في حل مشاكل الولايات المتحدة من خلال رئيس ينتمي إليهم وذلك للمرة الأولى في تاريخ أمريكا، وإن حرموا لأسباب عنصرية فإنهم قد يتحولون الى حالة سلبية.

 

وإذا كنا قد تعلمنا شيئاً من المواسم السابقة للانتخابات الأمريكية فهو أنه ليس هناك من سبيل للتنبؤ بسلوك الناخبين الأمريكيين، فإنهم قد يختارون من هو على صهوة جواد استوديوهات هوليوود ومن يعجبهم تمثيله على الشاشات السينمائية ليعود ويمثل على الساحات السياسية، أو من كان أبوه رئيساً فاختاروا ابنه لأنه يحمل مشتقات اسم أبيه، وإن كان هذا هو الاختيار، فإن أمريكا ستبقى كما هي، عدوة للشعوب وحريتها، وستسقط في الكساد والبطالة والانهيار الاقتصادي.

 

مواسم الانتخابات ليست قاعة تعرض فيها مسرحيات شكسبير، إنها عملية اختيار لرئيس يحمل على كاهله مسؤوليات جساماً، سياسية وعسكرية واقتصادية وأمنية، وتحدد من خلالها استراتيجيات وسياسات لا تخص الولايات المتحدة وحدها، إنما تمس العالم بأسره، لأن هذه السياسات لها علاقة بقضايا ومواقف من شتى الأزمات والقضايا العالمية. وبقدر ما تكون هذه السياسات والاستراتيجيات متوافقة مع مصالح الشعوب بقدر ما تحظى أمريكا بالتقدير، أما إذا ظلت هذه السياسات رهينة مواقف تغلب عليها روح القوة والهيمنة والأطماع الامبراطورية والسعي لفرض نظام عالمي أحادي، فإن العالم لن يعرف الهدوء والسلام، وستظل السياسة الأمريكية مرفوضة ومكروهة من كل شعوب الأرض.

* كاتب إماراتي

ui@eim.ae

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات 0

لم يتم العثور على تعليقات