لبنان ويوم جديد نتمناه له

لبنان ويوم جديد نتمناه له

 

02:01 2007-11-14

 
 

لبنان ويوم جديد نتمناه له

أحمد إبراهيم

   

 

اليوم (الأربعاء) هو يوم لبنان إن جاز التعبير، فهو بصراحة يوم العودة، تلك العودة التي نريدها، سواء عادت بيروت لنا أم عدنا لها، فنحن نريدها عودة بروح جديدة، تذكرنا بروحها القديمة عندما كان لبنان مبعث الإشعاع والنور في الشرق الأوسط القديم، فلتعد هي اليوم بنفس النور والإشعاع للشرق الأوسط الجديد، على ألا ننبش بعد اليوم قبور أسوأ أزمة تعرض لها لبنان بطاحونتها الأهلية الدامية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.

 

وعودة لبنان سهلة جداً، فلا هي بحيرة نفط تعاني من مضاربات الاسعار وشروط المنتجين الشائكة بهموم المستهلكين، ولا هي عاصمة دولارية تواجه أزمات هبوط الدولار وصعوده، ولا محاصيلها الزراعية في مأزق من شحّ المياه، ولا نافوراتها الثقافية تشكو من نقصان في الكوادر أو قشة قد تقصم ظهر البعير المحلي بساطور الكساد العالمي، هذا البعير الذي لا ناقة “حلوبة” له من ذلك الكساد، ولا جملاً دؤوباً له ضالعاً في ذلك الفساد.

 

لو أردنا أن نقيم منظمة أخرى على غرار تلك المنظمات المنتجة والمصدرة للنفظ (أوبك) و(أوابك) وغيرهما، واقصد منظمة عربية منتجة ومصدّرة للعلم والفكر والثقافة والأدب، لما تجاوزت صفارة لجنة التحكيم الحدود الجغرافية للبنان، حيث إن المواطن العربي، الذي نشأ قارئاً بأمر من السماء: “إقرأ باسم ربّك” وهو لا يزال يقرأ منذ عقدي الخمسينات والستينات، ونحن من مواليدهما، يقول اليوم كلمته (والحق يقال) انه ما وقف قارئاً على قدميه ودخل المكتبات العربية وجامعاتها ورفع كتاباً ليقرأ إلا ووجد الغلاف مكتوباً عليه “طبع في بيروت”.

 

لكننا، وعلى الرغم من ذلك نبحث عن الغريب لنقرأ عن الحبيب، والأغرب ان الصحف البريطانية الأكثر شراهة ونهماً في كل أوروبا للقضايا العربية كادت تخلو خلال اليومين الماضيين من الانتخابات اللبنانية، ما عدا ما اعتبرته “الفايننشال تايمز” أن اليوم (الأربعاء) هو الفرصة الأخيرة لانتخاب رئيس لبناني جديد، خلفاً لإميل لحود الذي تنتهي ولايته بعد يومين (يوم الجمعة) وإلا فإن هذا البلد سيواجه أزمة شبيهة بتلك التي عرفها قبل حوالي تسعة عشر عاماً.

 

لم أقرأ حتى اللحظات الاخيرة من كتابتي هذا المقال، مما نشرته الصحف الأجنبية ما يستحق نشره عن لبنان التوافقي أو الوفاقي، الحريص على إنجاح انتخابات الرئاسة، وما يعيد السلام والوئام الى ربوعه، بل بالعكس، فكل ما نشرته الصحف الأجنبية يتحدث عن احتمال وقوع صراعات لبنانية - لبنانية، وتدخلات سورية وايرانية، من دون ان تشير الى التدخلات الأمريكية أو “الاسرائيلية”، بل إن هذه الصحف اضافت الى مواقفها المتحيزة نكهات أخرى تتحدث عن احتمال اتساع رقعة الصراع الى ما وراء البحر، الى الولايات المتحدة وإيران مع الإبقاء على دور ل”اسرائيل” قوية وقادرة ومتفوقة على كل ما عداها في المنطقة.

 

ومهما لعبت الأيادي الخفية في تلك المطبوعات للاعلام الاجنبي، الذي يتناول قضايانا دائماً بعين واحدة وبطريقة مغلوطة ومتشابكة كي يبدو للقراء وكأن الدول العربية وليست “اسرائيل” هي من يعرقل التسوية ومبادرات، فيأتي ممثلو أوروبا والولايات المتحدة الى المنطقة ويدلون بمواقف يتحدثون فيها ضمناً عن مظلومية “اسرائيل”، وليوهموا العالم بأن دعاة الحروب هم من ابناء المنطقة ذاتها يتوالدون فيها ويتناسلون منها، وانه لا بد من شرق أوسط جديد يحمي المظلوم من الظالم!

لكن صحيفة “الصنداي تايمز” كشفت ربما من دون قصد، عن التقرير “الإسرائيلي” الذي سيصدر قريباً عن حرب لبنان والذي من المتوقع أن يتسبب في أزمة سياسية جديدة في الكيان، حيث قالت إنه من المتوقع أن يوجه التقرير الاتهام لرئيس الوزراء “الاسرائيلي” إيهود أولمرت بالتسبب في مقتل 33 جندياً “إسرائيلياً” في الستين ساعة الأخيرة من الحرب.

 

ونسبت الصحيفة إلى مصادر مطلعة القول إنه من المرجح ان يثير هذا التقرير أزمة سياسية في “إسرائيل” لدى نشره خلال الأسابيع القليلة القادمة، لأنه يركز على قرار الاستمرار في القتال بعد نجاح وساطة وقف إطلاق النار مع حزب الله في أغسطس/آب من العام الماضي، عندما كان أولمرت يعمل بخفة لعله يحقق انتصاراً في الساعات الأخيرة، حتى إن الرقيب أوري جروسمان (23 عاماً) وهو أحد ضحايا حرب اولمرت لا يزال يصب جام غضب انتقاداته الشديدة على رئيس الوزراء حتى إنه رفض مصافحته خلال احد المراسم.

 

تعتقد “الصنداي تايمز” ان هذا التقرير المتعلق بآخر 60 ساعة في الحرب سيكون “الأنشوطة” التي يتم بها إعدام أولمرت، الذي عجز عن تحقيق أي شيء من أهدافه التي أعلنها، وهي استعادة جنديين وسحق “حزب الله” والإعلان عن ذلك المولود الجديد الذي تنبأت بإنجابه كوندوليزا رايس، وهو الشرق الأوسط الجديد.

 

فمهما كتب وقيل عنا في الإعلام الغربي، نحن لن نفقد الأمل، حيث تلمع في الأفق بوادر تحركات عربية قد ترخي بظلالها الايجابية على لبنان وجواره، ولا نراهن بعد ذلك على تحركات لا نثق بمردودها ونتائجها تأتينا من الولايات المتحدة أو فرنسا أو ايطاليا، ولعل زيارة ملك الأردن المفاجئة الأخيرة إلى سوريا تحمل بشائر الخير والطمأنينة لإخراج لبنان من أزمته، خصوصاً بعد صدور بيان مشترك جاء فيه “لقد تم التأكيد على ضرورة التوصل الى حل توافق دستوري يكفل استقرار لبنان”.

 

لعل وعسى يكون يوم غدٍ، يوماً جديداً على لبنان والعرب، يحمل لهذا البلد العربي ما نتمناه له من استقرار وسلام، وتكريس للديمقراطية والحرية.

 

 

* كاتب إماراتي

“ui@eim.ae” 

تعليقات 0

لم يتم العثور على تعليقات